ممرات الموت.. ابتلاع مخدرات مقابل مقعد في قارب هجرة
للوصول إلى إنكلترا عبر قناة المانش على متن قوارب صغيرة، يضطر بعض المهاجرين غير النظاميين لابتلاع عبوات من الهيرويين والكوكايين لنقلها للبلاد مقابل الحصول على مقعد زهيد الثمن.
تحقيق أجرته صحيفة "التلغراف" البريطانية كشف أن المهاجرين الذين يعبرون القناة الإنكليزية يجلبون الهيروين إلى بريطانيا نيابةً عن المهربين.
ويُعرض على طالبي اللجوء عبور مجاني أو مخفّض السعر من شمال فرنسا إذا ابتلعوا عبوات مخدرات من الفئة "أ" وسلموها إلى عصابات الجريمة المنظمة في بريطانيا.
كما يُعرض على بعض المهاجرين الذين يوافقون على تهريب الكوكايين والهيروين "رحلات VIP"، حيث ينضمون إلى النساء والأطفال على متن قوارب يعتقد المجرمون أنها أقل إثارة للريبة.
ووفق أحد مهربي البشر فإن المواد المهربة كانت تُجمع عادةً من فنادق تخضع لرقابة وزارة الداخلية التي تقوم بإيواء المهاجرين في بريطانيا.
فماذا في تفاصيل عمليات التهريب؟
وفق الصحيفة، فإن بعضًا من عشرات الآلاف من المهاجرين الذين يقصدون المملكة المتحدة كل عام يتم استخدامهم لإنشاء طريق جديد لتهريب المخدرات، مع جهل المسؤولين إلى حد كبير بهذا التحدي وعدم قدرتهم على إيقافه.
كما تظهر هذه العمليات كيف تضافرت جهود مهربي البشر وتجار المخدرات الدوليين لمحاولة استغلال حدود بريطانيا المليئة بالثغرات.
وفق التحقيق، تستغل شبكات الجريمة المنظمة ثغرة أمنية محتملة في العدد المحدود من عمليات التفتيش التي يجريها مسؤولو قوة الحدود على المهاجرين الواصلين إلى المملكة المتحدة، خاصة وأنه لا يمكن اكتشاف المخدرات إلا إذا خضع حاملها لفحص أو أشعة سينية لرصد المواد المهربة في معدته.
تقول الصحيفة إنها شاركت نتائج تحقيقها مع وزارة الداخلية والوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة (NCA)، التي أكدت أنها على دراية بأي تغييرات محتملة في تهديدات المخدرات.
كيف تتم عمليات تهريب البشر والمخدرات؟
تقول "التلغراف" إنها بدأت تحقيقها بعد أن زعم مصدر أمني أن بعض عصابات المخدرات تتعاون الآن مع مهربي البشر لإيجاد مصدر دخل جديد من عبور القوارب الصغيرة.
تواصل مهاجرون مع العديد من مهربي البشر لمعرفة ما إذا كانت هناك طرق بديلة لدفع المال للعبور إلى بريطانيا، أو هل من "خيارات أسهل" تتضمن ابتلاع المخدرات وتسليمها لاحقا إلى جهات أخرى.
وفق أحد المهربين فإن هذه العمليات جارية "طوال الوقت" وأن المهاجرين يخضعون للترهيب من مغبة الاختفاء مع المخدرات. ويقول أحدهم إن العمل كساعي يضمن عبورًا لحاملي المخدرات في مقصورة كبار الشخصيات، حيث ينضمون إلى النساء والأطفال لعدم جذب انتباه قوات الحدود.
وفي تحقيقها انتحلت صحيفة التلغراف شخصية جواد، وهو مهاجر مرّ عبر تركيا وإيطاليا ثم إلى شمال فرنسا.
استُخدمت بطاقات SIM للهواتف من إيران وأفغانستان لضمان رؤية أعضاء شبكات الجريمة المنظمة رموز الاتصال الدولية. كان جواد يتحدث الفارسية والبشتو والعربية والداري، والأهم من ذلك أنه استطاع ذكر أسماء مهاجرين آخرين استخدموا خدمات المهربين.
أحد أعضاء عصابات تهريب البشر في دونكيرك أبلغه عبر واتساب عن "خيارات أسهل من المال.. هناك بعض الطرود التي يجب ابتلاعها" وتُغطي أجرة التهريب إلى بريطانيا، مضيفا أن الطرد يتم استلامه لاحقا.
تحدث مهاجر إيراني، في الثلاثينيات من عمره ويقيم في المملكة المتحدة ريثما تتم معالجة طلب لجوئه، شريطة عدم الكشف عن هويته، وقال إنه سمع "شائعات" عن عرض نقل المخدرات كوسيلة للدفع أثناء وجوده في شمال فرنسا.
قال: "لم أصدق ذلك حتى أخبرني به مهرب مباشرةً في حديقة في كاليه".
وقال "كنت أنتظر من أقاربي أن يرسلوا لي المال، لكن الأمر أصبح صعبًا للغاية مع فقدان عملتنا قيمتها. كان المهربون على علم بذلك واستغلوا الفرصة".
وكشف أن مهربًا كرديًا قال إنه "سيغلف شيئًا ما، هيروين أو كوكايين، بطبقات متعددة من البلاستيك الواقي، وكان من المفترض أن أبتلعه".
وقال إنه كلما أخذتُ أكثر، قلّ المبلغ الذي عليّ دفعه.
قال إنه ومهاجرين آخرين نُقلوا إلى منزل في كاليه يديره تجار مخدرات: "كانوا يضغطون علينا، ويعاملوننا كعبيد. أخبرتهم أنني بحاجة للخروج، وهربت"، وفق ما نقلته الصحيفة.
صرح كريس فيليب، وزير الداخلية في حكومة الظل، قائلاً: "إن عمليات عبور القوارب الصغيرة غير القانونية هذه لا تُمثل أزمة هجرة فحسب، بل تُمثل أزمة جريمة أيضًا".
وطالب المسؤول بإغلاق الممر قائلا: "ستُمكّننا خطتنا للخروج من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان من ترحيل جميع الوافدين غير الشرعيين في غضون أسبوع"، منتقدا عدم قدرة حكومة حزب العمال على السيطرة على هذه المعضلة.
يقول توني ساجرز، الرئيس السابق لقسم تهديدات المخدرات والاستخبارات في الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة، والذي يعمل الآن مستشارًا مستقلًا في مجال الجريمة المنظمة، إنه لم يتفاجأ من انخراط بعض مهربي البشر في تهريب المخدرات.
وقال: "العديد من مهربي البشر هم أيضًا مهربو مخدرات"، وتابع: "هذا أمر وارد نظرًا لتدفق الهيروين عبر تركيا إلى أوروبا. ثم هناك ترابط بين أماكن مثل هولندا حيث يتقارب الكوكايين والهيروين. المملكة المتحدة هي السوق الأكثر طلبًا على كليهما" يقول ساجرز.
ويشرح أن "تجار المخدرات يطلبون من رجل متوسط الحجم ابتلاع ما بين 750 غرامًا وكيلوغرام واحد من المخدرات. وتبلغ قيمتها السوقية بين 60 ألفًا و75 ألف جنيه إسترليني".